اللاذقاني: التاريخ السري للإعلام العربي في بريطانيا
ايلاف

31/01/2008

أسامة مهدي من لندن: فيما يشبه التسابق على تسجيل تفاصيل وحيثيات معاركهم الإعلامية والسياسية التي خاضوها على إمتداد سنوات عمرهم، يسرد أربعة صحافيين عرب ينتمون إلى جنسيات مختلفة يوحدهم الإغتراب الذي تعددت أسبابه Exness وتنوعت تجاربه، وإختلفت مدياته في مسيرة عقود من الزمن رسمت ملامحها بكل سلبياتها وإيجابياتها خطوط أعمارهم، وحيث العطاء متواصل لإرضاء النفس والآخرين وحرص على تقديم ثمرة تجارب تنوعت بين الخاص الذاتي والعام الذي له علاقة بالآخر والذي سيكون هو المستهدف من الذكريات المدونة في كتب أربعة، أنجز واحد منها ويوشك آخر على الإنتهاء، فيما تجري كتابة إثنين آخرين حاليًا. ففي كتابه يعرض الصحافي السوري عرفان نظام الدين تجربة سياسية وإعلامية إرتبطت بتاريخ مرحلة مصيرية عاشتها الأمة العربية ليقدمها من خلال معايشته لها ولقاءاته مع صانعي ملامحها وأحدائها... بينما بقدم الصحافي الفلسطيني عبد الباري عطوان سيرة لقضية بلاده وأمته من خلال فصول حياتية عاشها وشارك فيها، منذ أن ولد في مخيم للاجئين إلى أن وصل إلى لندن عبورًا بمحطات عربية عدة صنعت تجربة غنية حافلة يقدمها الى القارئ الغربي باللغة الانكليزية وللشباب العربي والمسلم الذي عاش في الغرب. أما الصحافي الفلسطيني بكر عويضة فهو يقدم تجربة مرحلة احتراف لمهنة الصحافة امتدت لأكثر من 40 عامًا... في حين يكشف الصحافي السوري محيي الدين اللاذقاني التاريخ السري للاعلام العربي من خلال معارك عاشها اثرت فيه وتركت ملامح غضب في نفسه لكنها لم تتمكن من إحباطه.

وفي هذه الحلقة الرابعة الاخيرة من سلسلة لقاءات اجرتها "ايلاف" مع الصحفيين الاربعة يتحدث محي الدين اللاسجل في إكسنس ذقاني عن تجربة صعبة عاشها متنقلا بين صحف وقنوات تلفزيونية متعددة بين الخليج واوربا وتجربة احباطات سببها كما يقول زيف ادعات الحرية والديمقراطية صدمته بشكل استطاع ان يتخطى احباطاتها . ويقول الصحفي السوري المغترب اللاذقاني ان ما يكتبه لا يدخل تحت تصنيف المذكرات "فبما ان الحياة تبدأ في الخمسين فقد بدأت للتو حياتي المهنية وكل ما سبق لم يكن الا تدريبات للوصول الى هذه المرحلة وعليه فان المذكرات لم يحن أوانها بعد".

ويشير في لقاء مع "ايلاف" الى ان ما يعمل عليه حاليا هو كتابة التاريخ السري للاعلام العربي "فقد اتيحت لي من المحيط الى الخليج وما بين القطبين والقارات الخمس فرصا للاحتكاك والاطلاع لم تتح لكثيرين الامر الذي يؤهلني – كما اظن – لكتابة هذا التاريخ الحالك والطريف الذي عشت بعض فصوله وسمعت من ثقات بعضها الآخر أما عن السر في التعجيل به قبل المذكرات فكي لا يموت الشهود الذي يعرفون التفاصيل الطريفة والمأساوية لهذا التاريخ السري وعندها قد يقول وارثوهم هذا قذف بحق الموتى". ويصيف : لقد عملت بعد بيروت في الخليج العربي ثم في مرحلة المهجرالاوروبي في مؤسسات مملوكة لاعلام ليبي واخرى لعراقي وثالثة لسعودي ورابعة لسوري وفي كل هذه المراحل حاولت قدر استطاعتي ومع سبق التصميم والترصد ان احتفظ باستقلاليتي ومما ساعدني على ذلك غياب الطموحات المادية عن تفكيري فقد عشت حياة السبع نجوم وعشت في غرف بائسة مخلعة الكراسي والأسرة على أسطح مهجورة وفقيرة وفي الحالة الثانية كنت أكثر سعادة فمن نعم اللة على الكاتب انه يكفيه ان يكون معه ورقة وقلم وكل ما يحتاجه بعد القفزة التكنولوجية الأخيرة عين حذقة وعقل نقدي وكومبيوتر . وقال ان البعض – مثلا – يريد ان يعرف قصتي مع صاحب محطة تلفزيونية في لندن وهي في بعض وجوهها تشبه قصة المتنبي مع كافور : ج

وعان يأكل من مالي ويمسكني حتى يقال كريم الأصل مقصود

اللجوء الى المحاكم

ويؤكد اللاذقاني: فقد كنت اثناء عملexness.sa.com ي في ( الشرق الأوسط ) أنفق على برنامج تلفزيوني من دخلي الخاص لافتح نافذة حرة ومختلفة امام المشاهد السوري وكان المفروض ان تلتزم الشبكة التي قدمت البرنامج لصالحها بدفع تكاليف الانتاج كاقامة الضيوف وتذاكرهم لكني حين اختلفت معهم لاصرارهم على دعم سفاح عربي رفضوا دفع تكاليف الانتاج التي صرفتها كنوع من الضغط لاعود لتقديم وانتاج البرنامج . وامام موقف ابتزازي من هذا النوع سقتهم الى المحاكم البريطانية وهناك قال محامو صاحب القناة التلفزيونية بصفاقة منقطعة النظير أنه لا علاقة لموكلهم بالمحطة – تصوروا الصدق الانجليزي نيابة عن العرب - ومع ذلك وحسب الوثائق التي امامه حكم القاضي على القناة بدفع التكاليف لكن هذا لم يمنعها من مواصلة التهرب بالتلاعب في سجل الملكية ونقله من طرف لآخر ومع ذلك اقول لمن يسألني عن تلك التفاصيل : الفلوس ليست مهمة الأهم ان تعرف المافيات الاعلامية العربية في اوروبامع مؤسسيها من السياسيين السابقين انها لا تستطيع العيش في بلاد يطبق فيها القانون على الجميع .

واشار الى ان تلك المرحلة عرفتنه على المعارضة العراقية - سابقا - التي تحكم العراق حاليا فكل حكام العراق الحاليين كانوا من ضيوف برنامجي ( ابراهيم الجعفري ،موفق الربيعي ،محمد بحر العلوم ،وفيق السامرائي ) والقائمة طويلة من هؤلاء الذين قال بعضهم في برنامجي عن اميركا ما لم يقله مالك في الخمر ومع ذلك كان القائلون أول من يدخل العراق على ظهور الدبابات الأميركية وقد فكرت ان ابث بعض ما قالوه قبل أن يصبحوا حكاما ليتعرف الناس على سياسة الوجهين التي لا تمارسها الأنظمة فقط بل المعارضة أيضا فالتربية العربية واحدة في الحالتين وكل هؤلاء الذين يتشدقون بالديمقراطية في العالم العربي ما ان يستلموا سلطة ما حتى يتحولوا الى سفاحين من الطراز الأول .

نفاق اعلامي وسياسي

ويضيف : اريد ان أروي في سياق النفاق الاعلامي والسياسي الذي لمسته عن قرب حكاية رئيس تحرير صحيفة عربية – غير عراقي – دخلت عليه يوم مذابح الفلوجة فوجدته يرقص فرحا على موسيقى الجاز مع انه في كتاباته يظهر شديد الغيرة على العروبة والاسلام مثل رئيس تحرير آخر شجعني على كشف أسرار صفقات أسلحة عربية في الثمانينات وابدى استعداده لنشرها ولأني احب هذا النوع من صحافة البحث والتقصي الموثق فقد ذهبت مدعوما بهذا التشجيع المعنوي الى السودان بعد الانتفاضة التي قامت ضد نميري وحصلت على وثائق نادرة من حكومة الرئيس سوار الذهب عن عمولات وسمسرات رهيبة فلما عدت وبدأت النشر ساوم رئيس التحرير المذكور السماسرة من خلف ظهري ثم أوقف النشر برغم وجود الوثائق الأصلية بحجة الخوف من المحاكم البريطانية .

ويشير الى ان المسائل لم تكن معقدة على الجانب السياسي وحده بل وعلى الجانب الثقافي ايضا "فقد كان اعتذاري الدائم عن حضور مهرجان المربد ورفض كافة دعوات النظام العراقي السابق يسبب ارباكات في العمل يتم تفسيرها سياسيا من قبل رؤساء تحرير صحف ومجلات متمولة من قبل ذلك النظام ومرتبطة به بشكل أو آخر" . ويقول : لقد كانت المسألة بسيطة فقد وقفت ضد الحرب العراقية الايرانية منذ بدايتها وكنت اتحاشى الذهاب الى عرين صدام حتى لا اتورط في التوقيع على بيان يؤيد حربا عبثية لا معنى لها وقد اثبت الزمن اننا كنا على حق في ذلك الموقف لكن من يذكر تلك المواقف بعد ان اختلطت الالوان والطعوم والرؤى .

ويوضح اللاذقاني : كانت معاداة النظام العراقي أكثر تكلفة من معاداة النظام السوري فبعد كتاباتي ضد التدخل السوري في لبنان عام 1976 اكتفى السوريون بعدم تجديد جواز سفري ولم تكن عداوتهم مرة ومؤثرة على الدخل فهم لم يكونوا كالنظام العراقي يمتلكون معظم المجلات العربية في أوروبا وعلى ذكر معاداة النظامين معا وفي وقت واحد اذكر اني وفي زيارتي الوحيدة واليتيمة لبغداد عام التدخل السوري في لبنان وكان صدام ما يزال نائبا للبكر وهناك دعيت من قبل معارضين سوريين للانضمام الى جهودهم لاسقاط النظام السوري من بغداد فقلت ببراءة الشباب مستغربا : كيف نحارب ديكتاتور من عاصمة ديكتاتور آخر أليس في هذا خيانة لأحرار العراق الذين يعانون من الديكتاتورية مثلنا .

ويستطرد قائلا : عند ذلك الحد من الحماسة علت الصفرة وجوه الجميع و مال على أذني من دعاني لذلك الاجتماع وكان يجلس قربي وقال : متى سفرك ؟ قلت : بعد يومين فقال سافر غدا أو اليوم ان استطعت وقد عملت بالنصيحة وطرت فورا عائدا الى أبو ظبي حيث كنت أعمل بعد أن تعرفت مباشرة على حجم الرعب الذي كانت تبثه أجهزة الاستخبارات العراقية في نفوس السوريين المقيمين في بغداد وكنت أقول في نفسي : أما كان الاحرى بهؤلاء ان يعودوا مادام الخوف من الأجهزة واحدا في البلدين .

تجربة خليجية

ويقول : تجربة العمل مع مجلة ( الأزمنة العربية) في الامارات وخارجها تستحق فصلا خاصا وقد طلب مني أكثر من مرة زميل يعمل في البيان الاماراتية ان اكتب عن تلك التجربة فامتنعت لأني أعرف ان ما سأقوله يصعب نشره هناك فالمناضلون على الورق وفي الجلسات المغلقة لهم وجه آخر وأقنعة أخرى يلبسونها حفاظا على مصالحهم ورغم مرارة التجربة أدين لرعيل من هؤلاء بالشكر فقد كانوا المدخل لفهم الأبجديات التي تحكم الصحافة العربية المكتوبة أما الاعلام المرئي فله قصة أخرى . ويوضح قائلا : وغالبا ما أقول لمن يسألني عن الاعلام التلفزيوني وما أضافه الى أنه جعلني كنعومي كامبل انتبه الى لون القميص ومدى انسجامه مع منديل الجيب أكثر من انتباهي لعمق الفكرة ومع كل ما اعطاني اياه التلفزيون فاني ما أزال أحب الاعلام المكتوب أكثر ففي الكتابة يشكل الكاتب المؤثر حزبا سريا قويا يتعاطى ويتبادل معه الأفكار العميقة اما التلفزيون فان مشاهده يكتفي برؤؤس الاقلام و بمعرفة الوجه ويفرح لرؤية الملامح خارج الشاشة دون أي انتباه للفكرة ومع ذلك تظل الروابط قائمة بين أليات عمل الأثنين خصوصا وان اغلب العاملين في الاعلام المرئي جاؤا اليه من المسموع والمكتوب.

ويضيف : في قناة تلفزيونية اخرى غير الأولى عشت فصولا من الكوميديا مع صاحب محطة يقول للذين يمولونها انه فتحها لدعم التحول الديمقراطي والتعددية ثم يأتي قبل ان يصبح البرنامج على الهواء ليحاضر في الضيوف ليس بما يجب قوله فقط بل وبالطريقة التي يجب ان يقال فيها وهذا الصنف التلفزيوني المتطور بالمعنى السلبي ما هو الا استمرار لصحافة الابتزاز الصفراء التي شهدتها العاصمة البريطانية في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حين كان الذي يشتم يقبض أكثر من الذي يمدح ليسكت عن مشتوميه الذين يتحولون الى ممدوحين طالما واصلوا دفع الأتاوة وفي تلك المعارك القذرة كان يتم نهش اعراض والتشهير بعفيفات وتوريط مراهقات مسكينات من بنات الطبقة السياسية كما جرى اثناء نشر صورة ابنة حاكم عربي لا ناقة لها ولا جمل في عداوات ابيها او صداقاته .

ويستطرد اللاذقاني : آنذاك كان السياسيون العرب يخافون الاعلام والفضائح لكن بعد احتلال الكويت وتحريرها ووقوف الجميع صفا واحدا في خدمة الامبريالية صار عند اؤلئك السياسيين حصانة ضد الابتزاز فهم يقومون الآن باضعاف ما كانوا يقومون به في الماضي دون أن يرمش لهم جفن ودون أن يؤثر فيهم أي موقف ابتزازي فهل تطور تفكيرهم ؟ أم أنهم ارتاحوا بعد ان أحكموا نطاق السيطرة على الاعلام العربي بامتلاك معظم منابره المؤثرة ؟ .

استغلال الاوطان للسرقة

وعلى ذكر الكويت يقول : عاصرت تجربة اصدار جريدتها اثناء الاحتلال ما زلت استغرب الى اليوم كيف يمكن للانسان ان يستغل وطنه ويسرقه وهو مثخن بالجراح تحت الاحتلال فقد كان هناك قصة سمسرة بملايين على حساب وطن محتل وقد اوشكت تلك القصة السرية المرتبطة بعدة اشخاص وليس بشخص واحد ان تصبح علنية حين وصلت للبرلمان الكويتي بعد الاستقلال لكنها- لفلفت- بسرعة كالكثير من الملفات التي تناقشها البرلمانات الديمقراطية العربية التي لا تحمي سمعة الحاكم فقط بل وكل من يدور في فلكه حتى وان كان حولهم الف علامة استفهام وتعجب . وحول علاقة المال والفكر يقول : من المؤكد ان سرقة المال – وان كانت غير مبررة - تبدو بسيطة امام سرقة الفكر وقد تعجبت في أكثر من صحيفة من وجود أناس لا يكتبون حرفا واحدا مما ينشر باسمائهم بل يستأجرون من يكتب لهم وبعض هؤلاء يستمتع حاليا بمرتبة (مفكر) ويدعى الى المهرجانات والندوات بهذه الصفة مع انه لم يكتب حرفا مما نشر باسمه وهنا يبرز سؤال اخلاقي عن ( اولاد الهوى ) الذين يبيعون بدل أجسادهم اقلامهم وعصارة أفكارهم ليؤسسوا لتجارة عربية سوداء معروفة في الصحافة والجامعات حيث يتم هناك ايضا اسئجار باحثين لكتابة رسائل دكتوراة وماجستير لاشباه أميين يحتلون بفضل الدال المزورة مناصب كبرى .

أول رئيس تحريرعرفته ممن يستأجرون (اولاد الهوى) كان ورعا كما قيل لي لذا كان يشتري قلما لكل مدير تحرير جديد ويطلب منه ان يستخدمه في كتابة الافتتاحية حتى يحلف صادقا أنها- وهي كذلك فعلا - كتبت بقلم رئيس تحرير الصحيفة . ويضيف اللاذقاني ان مرحلة جريدة (الشرق الأوسط ) هي الأطول والأغرب فقد كانت من أوائل المهام التي كلفت بها في تلك الجريدة التي كانت تعتبر الأولى والاوسع انتشارافي المنطقة هي منع الناشر من النشر في الصحيفة التي أسسها ويدفع مرتبي ومرتبات من يعمل فيها وتلك قصة لا يعرف تفاصيلها غيري وغير عثمان العمير رائد الصحافة الأليكترونية العربية ورئيس التحريرالمختلف الذي صنع مجد تلك الجريدة وقد كنت متعاطفا مع ذلك الناشر لأن نصوصه كانت فعلا بقلمه وقد مهد ذلك التعاطف لصداقة طويلة أتاحت لي الاطلاع على أسراركثيرة .

ويؤكد : في التاريخ السري للاعلام العربي عرفت ان هناك اكثر من صحيفة تم تأسيسها بأموال المخابرات العربية وان هناك قنوات تلفزيونية دخل المال الغربي في تأسيسها لاهداف نادرا ما تفصح تلك القنوات عنها لذا لا بد أن اروي مع قصص التأسيس للاعلام الورقي ثم الفضائي حكاية مبلغ النصف مليون استرليني الذي بدأت منه جريدة يومية عربية انطلاقتها من العاصمة البريطانية فتلك قصة تنحصر معرفتها بين ثلاثة أشخاص أنتقل أحدهم الى رحمة الله والباقيان ينتظران وقد سبق أن حكيت طرفا صغيرا من هذا التاريخ السري عن علاقة الاستخبارات العربية بالاعلام في ندوة أصيلة عن الاعلام العربي صيف عام 2006 فقامت الدنيا وما زلنا ننتظر قعودها .

الشجاعة طردت الصحفي

ويستطرد اللاذقاني قائلا : لقد ادركت منذ بداياتي ان الصحافة تحتاج الى شجاعة وحاولت جاهدا أن امارس تلك الشجاعة فانتهيت مفصولا ومطرودا من أكثر من منبرلأسباب موضوعية ممن فصلوا الاعلام الحر على مقاس مصالحهم وليس على مقاس الحرية التي يحلم بها الكتاب الحقيقيون والمشكلة الذاتية التي لم اصرح بها من قبل الا أمام المرايا اني أفرح بالفصل والطرد فتلك القرارات على مأساويتها لعائلتي الصغيرة تثبت لي حين تختلط الألوان بعض المصداقية في نظر نفسي وتعطيني وقودا جديدا للمشاكسة فأنا ادرك أني سأبدأ بالشك في نفسي لو سكت أصحاب المنابرطويلا عن ممارساتي التجريبية في صراعي الطويل من أجل الأستقلالية.
وعن اخر ورطاته يشير الى انه دفع ثمنا مرتفعا : لاني قلت في تعليق تلفزيوني قبل عامين عن سياسي لبناني انه ساذج سياسيا ويحتاج الى وقت طويل للتعلم فلا يبدو من ردوده انه سريع البديهة لقد كنت اعرف ان ذلك السياسي عضو مجلس ادارة في جريدة مرموقة لكن هذا لا يكفي فقد كان علي ان اعلم وانا ادلي بذلك التعليق ان السياسييين العرب يولدون عباقرة ولا حاجة بهم للتعلم ودليل عبقريتهم كثرة انجازاتهم المباركة وانتصاراتهم التي تدل على عبقريتهم كدلالة البعرة على البعيرمهما كان جنسه.

والورطة الأخيرة يقول: تذكرني بالورطات الاوائل فقد بدأت منتصف السبعينات العمل في صحيفة يومية وذهبت من ضمن مهامي الفنية لتغطية معرض ياباني عن فنون الساموراي وبعد أن افتتح وزير الاعلام في ذلك البلد المعرض ذهب ليكتب كلمة في سجل الضيوف وكنت اقف خلفه فلاحظت ان الأسطر الثلاثة التي كتبهابالعربية ليس فيها كلمة واحدة صحيحة الا حروف الجر – باستثناء على التي كان يكتبها بالألف الممدودة- فطلبت من المصور الباكستاني ان يصور كلمة الوزير لأنشرها ببراءة كاملة مع الموضوع دون تعليق لكن الكاتب الكبير محمود السعدني أمد الله في عمره الذي كان مديرا لتحرير تلك الجريدة انتبه للصورة قبل نشرها فأوقفها وأوقف التعامل مع الصحفي الناشئ المتحمس وهو يقول: شوف يابني ما لكش بعد اليوم شغل معانا دي الصورة دي لو طلعت بكرة حيخرب بيتك وبيتي وبيت اللي خلفونا .