التيار السوري الديمقراطي                            

                                               

 

28/05/2006                                                                               الصفحة الرئيسية   اتصل بنا   من نحن     

 

هل إسرائيل معنية Exness بإسقاط النظام في سوريا؟
صالح النعامي

بات في حكم المؤكد أن حرص وزير الخارجية الإسرائيلي مؤخرا وفي مناسبات عدة على التعبير عن تأييده للتصعيد الأميركي ضد سوريا وتفضيله التخلص من النظام الحاكم هناك، لا يعبر بالمطلق عن موقف الحكومة الإسرائيلية وقادة أجهزتها الأمنية، ناهيك عن المحافل المسؤولة عن بلورة التقييمات الإستراتيجية في الدولة العبرية.

فقد كشفت صحيفة "معاريف" في عددها الصادر بتاريخ النقاب عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ومعظم وزرائه وقادة جيشه ورؤساء الأجهزة الإستخبارية يبدون خلال المداولات السرية تحفظات كبيرة إزاء السياسة الأميركية تجاه سوريا.

وكما أكدت الصحيفة فإن هناك ما يشبه الإجماع داخل المستويات السياسية والعسكرية على أنه من مصلحة إسرائيل بقاء نظام الحكم الحالي في سوريا، وأن كل البدائل التي تطرح لخلافة هذا النظام تعتبر "كارثية " بالنسبة للدولة العبرية ومصالحها الإستراتيجية.

ليس هذا فحسب، بل إن بن كاسبيت المعلق السياسي في الصحيفة يقتبس عن شارون خلال إحدى هذه المداولات السرية قوله "من الأفضل الحفاظ على الوضع القائم.. من الأفضل وجود دول عربية متخلفة ودكتاتورية مستقرة ومنضبطة حتى تعرف على الأقل أين تبدأ وأين تنتهي".

وأحد الاستنتاجات التي خلصت إليها هذه المداولات كان الاتفاق على أنه لا يمكن أن تكون سوريا أضعف في المستقبل مما هي عليه الآن في ظل حكم بشار الأسد.

وورد في تقييم قسم الأبحاث التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "أمان" المسؤولة بشكل عام عن تقديم التقييمات الإستراتيجية للعلاقات مع العالم العربي، أن "سوريا بشار الأسد دولة ضعيفة ومفتقدة لجيش ذي أهمية وتتغذى من إشاعات الماضي".

وكما أكد قادة الأجهزة الاستخبارية خلال هذه المداولات فإن سوريا حاليا غير قادرة على مفاجأة إسرائيل بسبب تمتع الأخيرة بمعلومات استخبارية حول كل واردة وشاردة تتم في سوريا، في حين أن على إسرائيل أن تنتظر فقط المفاجآت إذا حل نظام آخر في دمشق.

وتستهجن محافل التقدير الإستراتيجي في الدولة العبرية عدم إدراك الإدارة الأميركية لجملة النتائج الخطيرة الناجمة عن هذه السياسة، والتي ترى أن من شأنها الدفع باتجاه انهياسجل في إكسنس ر النظام السوري بفعل التدخل المباشر وغير المباشر، لا سيما عن طريق توظيف توصيات المحقق الدولي ديتليف ميليس في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
الخوف من انتقال الضغط الدولي إلى إسرائيل
حسب التقديرات الإستراتيجية التي قدمت لدوائر صنع القرار في الدولة العبرية فإن أي نظام سيخلف النظام الحالي سيتمتع بشرعية دولية وإقليمية ووطنية لا يمكن مقارنتها بالشرعية التي يحظى بها النظام الحالي.

وحسب تقييمات قسم الأبحاث التابع لأمان فإن هناك أساسا للخوف من تعرض إسرائيل لضغوط دولية كبيرة في أعقاب زوال النظام الحالي من أجل دفعها للتوصل إلى تسوية سياسية مع الحكم الجديد، بما في ذلك ضغط كبير من أجل موافقة تل أبيب على الانسحاب من هضبة الجولان بشكل كامل.

وتضيف أمان أنه لا أحد في العالم يبدي حاليا أي تعاطف مع الحكم السوري حول الشروط التي يضعها للتوصل إلى تسوية سياسية مع إسرائيل. وتخشى التقييمات الإستراتيجية العبرية أن يظهر للعالم عدم جاهزية إسرائيل للتوصل إلى مثل هذه التسوية وتلكؤها في الوفاء بمستحقاتها السياسية، الأمر الذي سيفاقم الضغوط على تل أبيب.

وسيكون وضع إسرائيل أكثر حرجا لأن حزب الليكود الحاكم قد التزم أمام الرأي العام الإسرائيلي ليس فقط بعدم الانسحاب من هضبة الجولان، بل وبتعزيز الاستيطان اليهودي فيها كما عبر عن ذلك مؤخرا شارون بشكل واضح.

وفي المقابل فإن الكثيرين في إسرائيل يرون أنه لو اضطرت إسرائيل في النهاية للتوصل إلى تسوية مع دمشق بشأن الجولان، فإنه من الأفضل التوصل إليها في ظل حكم بشار الأسد وليس مع البدائل المرشحة لخلافة نظامه.

وترى المحافل الإسرائيلية أن النظام الحالي قد يوافق على تسوية سياسية تضمن مصالح إسرائيل. ويقول الباحث والكاتب الإسرائيلي مناحيم حين إن الأسد قد يكون مستعدا لتقبل فكرة تبادل أراض، أو وضع الجولان تحت سيادة مزدوجة برعاية دولية، أو الموافقة على تعويض مالي مقابل شراء جزء من أرض هضبة الجولان، بشكل يسمح باستمرار وجود المستوطنات الإسرائيلية.
إشكالية البديل الديمقراطي
لا خلاف داخل إسرائيل على أن البنية التعددية المتوقعة لأي نظام يخلف النظام الحالي في دمشق ستشكل تحديا كبيرا للدولة العبرية. وحسب التقييمات الرسمية الإسرائيلية فإن المعارضة السورية تتميز بأنها أكثر تطرفا من نظام الحكم في كل ما يتعلق بحل الصراع مع إسرائيل.

وتشير التقييمات إلى الدور الكبير والبارexness.sa.com ز الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين ضمن صفوف هذه المعارضة، ومواقفها التقليدية من الصراع.

ولا يفوت الدوائر الإسرائيلية أن تذكر بأن المعارضة السورية تختلف بشكل واسع عن المعارضة العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين. كما لا يوجد خلاف داخل هذه الدوائر على أن وصول الإسلاميين إلى الحكم في العالم العربي ومن ضمنه سوريا يعني فيما أن الصراع مع إسرائيل لن يحل إلا عن طريق الحسم العسكري، الأمر الذي يعني أن على الدولة العبرية ألا تعيد سيفها إلى غمده أبداً كما يقول المؤرخ الصهيوني بنتسيون نتنياهو والد رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق بنيامين نتنياهو.

ويحذر البروفيسور يحزقيل درور الذي يوصف بأنه "أبو الفكر الإستراتيجي والسياسي" والذي يعتبر أحد القلائل في الوسط الأكاديمي الإسرائيلي الذين تحرص تل أبيب على استشارتهم، من خطورة ترك إسرائيل مع حكومات عربية تفرزها الانتخابات في العالم العربي، مؤكداً أن الشعوب العربية لن تختار إلا الجهات التي تكن العداء للدولة العبرية. ويضيف أنه على مدى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي كان للجماهير العربية دوما توجهات "لاسامية".

إلى جانب ذلك ترى المحافل الإسرائيلية أن النظام الحالي في سوريا وظف كل إمكانياته من أجل ضمان استقراره وبقائه في الحكم، وتجاهل إمكانية تطويره قدرات الدولة السورية في مواجهة إسرائيل لا سيما على الصعيد العسكري، في حين تخشى هذه المحافل أن أولويات النظام الجديد ستكون مختلفة وستركز على تطوير الدولة وفتح آفاق جديدة أمام الشعب السوري.

وينقل الكاتب والمعلق السياسي الإسرائيلي علوف بن عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه ليس من مصلحة إسرائيل تحول سوريا والعالم العربي بشكل خاص نحو الديمقراطية لأن تل أبيب في هذه الحالة ستفقد خصوصيتها "كواحة" للديمقراطية في منطقة تحكمها الدكتاتوريات، وبذلك تفقد الحق في الزعم بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تربطها قواسم مشتركة مع حضارة الغرب.

ويصل بن كاسبيت المعلق البارز إلى نفس الاستنتاج حيث يقول إن إسرائيل لا يمكنها أن تعيش في ظل تحول العالم العربي نحو الديمقراطية، حيث إن الرأي العام العربي معاد للسلام معها في حين أن الدكتاتوريات العربية تعي أهمية علاقاتها بإسرائيل.
سيناريو آخر.. غول متعدد الرؤوس
السيناريوهات التي تضعها إسرائيل لوضعها بعد حكم بشار الأسد تتضمن أيضا سيناريو رعب آخر مفاده أن أجواء الفوضى ستسود بعد سقوط النظام على غرار ما حدث ويحدث في العراق.

وتحذر الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية من أن ما يحدث في العراق سيكون مجرد "مزحة" مقارنة مع ما سيحدث في سوريا. وتتخوف هذه الأجهزة من أن سوريا ستتحول في هذه الحالة إلى موقع متقدم للحركات الجهادية في العالم.

وحسب هذا السيناريو فإن جهود كل الحركات الجهادية والقومية العربية ستتحول إلى محاولة ضرب إسرائيل عن طريق حدودها مع سوريا، وبذلك تتحول الحدود مع سوريا التي كانت مثالا للهدوء والانضباط على مدى أكثر من ثلاثة عقود، إلى ساحة مواجهة شديدة القسوة.

وترى هذه التقييمات أن العمل ضد إسرائيل انطلاقاً من سوريا سيحظى بشرعية أكبر بكثير من الشرعية التي تحظى بها الجماعات التي تعمل ضد الاحتلال الأميركي في العراق، مشيرة إلى أن حالة الفوضى تعني غياب أي جهة رسمية يمكن لإسرائيل أن تمارس الضغوط عليها من أجل وقف العمليات ضدها انطلاقا من الأراضي السورية.

ويعقد الكثيرون في إسرائيل مقارنات بين وضع سوريا بعد نظام الأسد والعراق بعد صدام حسين. وكما يقول الكاتب الإسرائيلي بن دورون يميني فإن أميركا استبدلت نظام صدام "بغول متعدد الرؤوس غير قابل للتصفية ولا يمكن التفاوض معه". ويرى يميني أنه سيتبين لاحقا أن التخلص من نظام الأسد سيكون له نفس نتائج التخلص من صدام والذي يعتبره "أكبر حماقة ارتكبت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين".

وتجمع الأجهزة الاستخبارية العبرية على التحذير من أن انهيار النظام الحالي وتحول سوريا إلى ساحة للحركات الجهادية سيؤثر سلبا على استقرار نظام الحكم في الأردن الذي تعتبره إسرائيل حليفا لها، كما يقول أفراييم هليفي الرئيس السابق لجهاز الموساد، والذي لا يفوت أي فرصة للتشديد على أن استقرار النظام الحالي في الأردن من أهم المصالح الإستراتيجية للدولة العبرية.
نصيحة إسرائيلية لواشنطن
بناء على كل ما تقدم فإن محافل التقدير الإستراتيجي توصي دوائر صنع القرار الإسرائيلية بالضغط على الولايات المتحدة من أجل تغيير سياستها تجاه النظام في دمشق ومحاولة التوصل معه إلى صفقة تضمن بقاءه مقابل تعهد النظام بالسير وفق إيقاع السياسة الأميركية.

وتشير هذه الدوائر إلى أن على واشنطن أن تستغل حقيقة أن أهم ما يعني النظام في سوريا هو استقراره وضمان بقاء الحكم في الطائفة العلوية التي تشكل أقلية، وتوظيف ذلك من أجل دفع هذا النظام للقبول بالإملاءات الأميركية.

ويشير الجنرال المتقاعد داني روتشيلد الذي شغل في السابق منصب رئيس قسم الأبحاث في أمان من أن الأسد قد يتحول إلى نسخة أخرى من القذافي الذي خرج عن طوره من أجل استرضاء أميركا خوفا من مصير كمصير صدام.

والسؤال الذي يطرح نفسه إزاء كل ما تقدم: إذا كان كل هذا التخوف الإسرائيلي من التحول الديمقراطي في سوريا، وإن كانت بوصلة الأمان الوحيدة التي تمنحها تل أبيب وواشنطن لهذا النظام هو قبوله بالخضوع للإملاءات الإسرائيلية والأميركية المهينة، فلماذا لا يبادر هذا النظام من تلقاء نفسه للتحول الديمقراطي والسماح بحرية العمل السياسي وعودة أحزاب المعارضة السورية الذي ثبت أن معظمها ذو حس وطني كبير.

المواطن العربي ليس بحاجة إلى التقييمات الإسرائيلية حتى يدرك مزايا العيش في ظل نظم ديمقراطية، لكن الغريب أن تتشبث نظم الحكم العربية التي تدعي القومية وترفع شعارات حماية المقاومة في وجه الاحتلال بطابعها الشمولي، مع أنه لا شيء يوجع هذا الاحتلال أكثر من اضطراره لمواجهة نظم يتم فرزها بشكل ديمقراطي وكتعبير عن إرادة الشعوب العربية لا رغما عنها.

 

 

 الجزيرة نت